السبت، 10 أبريل 2010

المرأة مع مرآتها



ابو حميراء


تجلس على مقعدها...هادئة وساكنة..صامتة..لا تبالى بما تدور حولها...لا تهتم بالعيون المركزة إليها حين بعد حين...وفى إحدى كفيها المرآة صغيرة الحجم..لا تتجاوز حجم كفها...مربع الشكل..لها برواز تمسكها...ترفعها حزو عينيها...تحدقها بنظرة حادة..باحثة عن خلل أو عيوب فى ماكياجها...تلمح يمينا ويسارا...تدقق النظر إلى كل جزء من أجزاء وجهها..إلى أنفها..وخديها..وإلى شفتيها..وإلى رمش عينيها.... ثم بداء تخرج من حقيبتها اليدوية ماكياجها...بعد ما لحظت الخلل فى مكياجها...الخلل الذي كاد أن يفقد ثقتها بنفسها..تفقد نفسها أمام الملاء من زملائها....لأن فى إعتقادها أن جمال المرأة تتركز على جمال مكياجها...وعلى منظرها الجذابة...وعلى رائحة عطورها الزكية الغالية...تثقب أنوف المارين بين يديها ....بدأت هي فى تدلع وتلاطف وجهها مستعينا بهذه المرآة الصغيرة الوافية..... لا تمل ولا تشكو من واجبها...ولكن من غير ما تشعر تنظر إلى سيدتها..بنظرة ساخرة وغاضبة..تنظر إليها وهي تمسح خديها بلون وجفنها بلون وشفتيها بلون...ثم تكتحل...وتمسح ما تبقى من اثر الكحل بمنديلها الورقية...حتي متساوية ونظيفة...وفى تلك الحالة مازالت هي وافية تخدمها ..وإن كانت صغيرة الحجم إلا أنها قادرة على تحمل كل هذه العبء فى صمت وهدوء...على ما تبدى...ولكن ما تخفى...تغتاظ ..وتكتم نار الغيرة على صاحبتها..لو كانت قادرة على أن تفر منها لفرت هاربة ....لو كانت قادرة على أن تصيح لصاحت أمام صاحبتها وتبوح بسر قد كتمتها طوال مصاحبتها...فى رأيها أن صاحبتها أنانية...لا تبالي بشعورها ولا إلى متطلباتها...وزادت حقدها الدفين عندما يُمدح سيدتها لجمالها المزورة أمامها وإن كانت لا تستحق المدح...تتمني أن تُمنح بلسان يُنطق...ينطق لصاحبتها أنك خادعت الناس بجمالك المزورة...زورت جمالك الحقيقية...على ما تبدى...ولكن الذي تخفي...أنك أنانية يا سيدتي...قمت بتجميل نفسك وتنسيني...تستخدمني عند ضرورة وتلقيني بعيدا بعد ما رويت ظمآك...ولا تقدمني بشكر ولا تعترفي بجميل عرفاني على ما قدمت من خدمات و طاعات طوال هذه المدة.....أنت كذا وكذا يا سيدتي... استغرقت فى مونولوج طويل وفجأة وبدون سبق الإنذار تشعر بالظلام....وتشعر كأنها ألقيت فى هاوية شديدة الظلمة..حاولت أن تصرخ وتستغيث وتستنجد...ولكن بدون جدوى ...وإن كانت قد إعتادت على هذه الظروف إلا أنها لا تعجبها طريقة هذه المعاملة... – فى رأيها – أثقيل عليها أن تخبرها بعد ما قضت وطرها وتشكرها قبل أن ترجعها إلى موطنها الأصل...- وهي فى حقيبتها اليدوية - وبدون رأفة ورحمة تتركها تستغيث...تحاول أن تطيب خطرها بأن تقنع فؤادها وتهمس إلى نفسها لا تقلقي يا نفسي..غدا سوف ونخرج من هذا المكان المقرف ومازال أمامنا فرصة لمواجهة هذه الأناني وندافع عن حقوقنا...لا نطلب المستحيل ولكن يكفي أن تقدم لنا جزيل من الشكر على ما قدم لنا من الخدمات...مازالت تقنع نفسها فى هذا الظلام...كظلام أيامها القادمة...لا ترى فيها أمل...مجرد تسمع صوتا...صوت ينطقه لسان الكاذب والمنافق...صوت يجعل سيدتها مغرورة به وتثق بأن نفسها حقا جميلة وجذابة تسر الناظرين....

تقوم من مقعدها...تمشي هادئة ومع كمال ثقة بنفسها..ولا تنسي حقيبتها اليدوية وفى داخلها مرآتها...تستريح وتستقرق فى سباط عميق..تنتظر غدا...لتقوم بواجبها نحو سيدتها....عندما فقدت سيدتها ثقتها بنفسها...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق